رمضان في تركيا
جميعنا يعلم أنه باختلاف المكان تختلف العادات والتقاليد، وبالطبع ينطبق هذا المفهوم على شهر رمضان المبارك، وكيفيةِ قضاءه، ومظاهرِه الخاصة، ومن مدينة (بورصا) التركية ننقل آراءَ الأتراك أنفسِهم، وما يقولونه عن الشهر المبارك.
الاستعداد للشهر المبارك:
وبدأنا حديثنا مع مجموعة من الأشخاص مستفسرين عن الاستعدادت التى يقومون بها من أجل رمضان، فقالت (زينب ساربيت) - الطالبة بجامعة "بورصا كلية الشريعة" -: "بالطبع نقوم باستعدادات خاصَّة، فعلى سبيل المثال قبل أن يبدأ شهرُ رمضان تقوم السيِّداتُ بتحضير أصناف معيَّنة من الأطعمة؛ مثل: الفاكهة المجففة والتمر، وبخلاف ذلك يتمُّ تعليق الزينات والأضواء في الشوارع، وخاصةً على مآذن المساجد، ونقوم بتنظيف المساجد، وكذلك المنازل".
بينما قالت (خديجة قهواجي أغلو) - الطالبة بمدرسة الإمام والخطيب (من غازي عنتب) -: "إنه قبل بداية رمضان يَستعدُّ المجتمع كلُّه لهذا الشهر، حيث يُعلَن في الأخبار - سواءٌ في الصحف أو التليفزيون - عن مجيء رمضان، وتُعلَّق على المساجد لافتات تقول: "أهلاً رمضان"، ويُباع في الأسواق التمرُ والأطعمة اللازمة خلال الشهر، والتي تُدعى (الأرزاق)، وهى تتكوَّن من الأرز، والحمص، والصلصة، والفاصوليا، وبالطبع رمضان هو شهر العبادة، فعندما لا يأتى في وقت الدراسة - كما هو الحال هذا العام - نستطيعُ الذهاب إلى صلاة التراويح، وقراءة القرآن، ونقوم باللقاءات والمحاورات الدينية".
هل يتأثر البث التليفزيوني في رمضان؟
أمَّا عن برامج التليفزيون، ومدى اختلافها في شهر رمضان، فقالت زينب: "إنه يوجد في تركيا العديد من القنوات التليفزيونية، وبعض هذه القنوات لا تُجري أيَّ اختلافات أو تعديلات في رمضان؛ فتستمرُّ في بثِّ برامج اللَّهو والتسلية خلال الشهر المبارك كباقي العام، ولكنْ بجانب هذه القنوات يوجد العديد من القنوات الإسلامية أيضًا، وبرامج هذه القنوات دينيةٌ طوال العام، ولكنَّها تُزوِّد من المعلومات الدينية في شهر رمضان؛ عن طريق المقابلات المباشرة والحوارات الدينية، وكذلك برامج الاتصالات ومشاركة الجمهور في السؤال في الشؤون الدينية المختلفة، وتوجد أيضا برامجٌ مخصَّصة لفترة السُّحُور، وغيرُها مخصَّصةٌ لفترة ما قبل الإفطار؛ حيث تعرض أناشيدَ دينية ومثل ذلك، ولكنْ كما قلتُ: يوجد العديد من القنوات التى لا تقوم بأيِّ تغيير".
شكل اليوم في رمضان:
وبالنسبة لليوم في رمضان، واختلافه عن باقي الأيام الأخرى؛ ترى زينب: "أنه يوجد اختلاف - مع أنه ليس كبيرًا - ولكنْ بالنسبة للمجتمع الإسلاميِّ: نعم، يكون هناك اختلاف؛ لأننا نقترب كثيرًا من الدين، وأعتقد أن هذا بسبب صيامنا، فنكون أكثرَ إخلاصًا، ونؤدي العباداتِ على نحو أكثر، فنقوم بالأشياء التي يتوجَّب علينا القيامُ بها، حتى في الأيام العادية، إلاَّ أنها تهفو على بالنا على نحو أكثر خلال شهر رمضان، وعلى هذا يزداد الإخلاص والتقرُّب إلى الله – تعالى".
غيرَ أن (خديجة) تعتقد أنَّه مختلف للغاية؛ حيث قالت: "بالطبع هو مختلف؛ أوَّلاً: من الناحية الروحيَّة المعنوية، ثانيًا: من الناحية البدنيَّة حيث تتحسَّن الصحة؛ بسبب الصيام طوال اليوم، وثالثًا: هو فرصة لشكر الله على نعمه، فكلَّما قلَّ الطعام الذي يتناوله الإنسان كلَّما زاد شكرُه لله، بالإضافة إلى ذلك نشعر أن المجتمع كلَّه يعبد الله؛ حيث يصوم الغنى والفقير، وكلُّ شخص، ويذهب الناس لصلاة التراويح في المساجد كلَّ مساء، والذين لا يذهبون للصلاة يشاهدون الحواراتِ الدينية في التليفزيون، وفضلاً عن ذلك نقوم بقراءة القرآن الكريم، وينتشر إلقاءُ السلام في الشوارع بشكل أكبر؛ حيث يُحيِّي المارَّةُ بعضهم بعضًا، ونحاول التعرُّف على معلومات دينية أكثر، فمثلاً توجد برامج لشرح الحديث الشريف، فنستمع إليها، ونحاول أن نُطبِّق ما بها؛ مثل: دخول الحمام بالقدم اليسرى، والخروج منه بالقدم اليمنى، وبالنسبة للنساء غير المحجبات يرتدين الحجاب في رمضان، فالمجتمع كلُّه يحاول أن يظهر بأفضل صورة يجب أن يكون عليها المسلم".
رمضان وحركة البيع والشراء:
وتحدَّث أحد أصحاب محلات (البقالة) عن تأثير رمضان على شكل اليوم، قائلاً: "إنه بالنسبة للعمل تكون حركةُ البيع والشراء جيدةً نوعًا ما أول أسبوع في رمضان، ثم يَعقُبُها حركةُ كساد تجاري في وسط الشهر، وتصل حركة البيع والشراء إلى ذروتها في الأسبوع الأخير من الشهر؛ حيثُ يقترب عيدُ الفطر، فيشتري الجميع ما يحتاجونه من أطعمة لقضاء العيد".
وعندما سألناه عن المنتجات الجديدة التى يُحضرها خصيصًا لشهر رمضان، قال: "نقوم بإحضار البلح أو التمر، والمشمش المجفف، ويوجد لدينا أيضًا التين المجفف، والزَّبيب، وفي الحقيقة هذه المنتجات لدينا بشكل دائم، لكنَّها تُباع بكميات أكبر خلال شهر رمضان".
وما لفت انتباهَنا هو أنهم لا يُغلقون المحلاتِ التجارية وقت الإفطار، وعندما استفسرْنا عن ذلك قال (علي) – أحد الباعة بمحل صغير -: "نحن لا نُغلق المحل وقت الإفطار، نتناول الطعام هنا، حيث تُحضر عائلتي الطعام، ونجلس سويًّا، ولكنْ ليس هذا هو الطابع العام لجميع المحلات، فمثلاً المحلات الكبيرة التى يوجد به عددٌ أكبر من العاملين، يقومون بالمناوبة في وقت الإفطار؛ حيث تظلُّ مجموعة تقوم بالعمل في حين تذهب الأخرى لتناول الإفطار وهكذا، ولكنْ بشكل عام لا تُغلَق المحلات في وقت الإفطار".
أطعمة الإفطار:
أمَّا عن طعام الإفطار فتري (خديجة): "أنهم لا يُعدِّون طعامًا مختلفًا كثيرًا عن طعام الغذاء والعشاء في الأيام العادية، وإنما بوجه عام نتناول أطعمةً أخفَّ مثل: المََرَق والسلطة؛ أي: إنه يكون طعامًا عاديًّا وخفيفًا".
بينما ترى (زينب) أنَّ مائدة طعام الإفطار تكون مختلفةً للغاية حيث يدعو الأقارب، والجيران، والأصدقاء بعضُهم البعض؛ لتناول طعام الإفطار سويًّا، وقالت: "نقوم بإعداد مائدة طعام عظيمة، فعلى سبيل المثال: عائلتي عائلة كبيرة جدًا، ويدعو أبى كلَّ أقاربنا وأصدقائنا على الإفطار، ويوجد عدد قليل جدًّا من الأُسَر في تركيا ممن يتناولون الإفطار في منازلهم منفردين دون دعوة أحد، ويكون هناك اختلاف حقيقيٌّ في مائدة الطعام، حيث نُعدُّ أطعمة أجمل مما نقوم به في الأوقات العادية".
ومضت (زينب) في حديثها عمَّا يبدؤون به طعامَ الإفطار قائلةً: "أوَّلاً: يكون الماء أو التمر - بالطبع - أو الزيتون، وبعد ذلك نتناول المَرَقَ، وبعدها يأتي الطبق الرئيس، وعادةً يكون متضمنًا اللحوم وبجانبه أرز، وبعد ذلك مجموعة متنوعة من الأطعمة الأخرى، ثم الحلوى، وبالنسبة للمشروبات نتناول (الكوكاكولا)، أو اللبن الرايب، إلاَّ أنَّ استهلاك (الكوكاكولا) قد قلَّ كثيرًا في الآونة الأخيرة في تركيا، بعدما تبيَّن احتواؤها على نسبة من الكحوليات؛ ولذلك لا نُفضِّلها كثيرًا كمشروب على الإفطار، ولكنْ هناك بعضُ العائلات التي لا تزال تستخدمها؛ كعائلتي مثلاً، ولكنْ بوجه عام نفضِّل اللبن الرايب والزبادي، ويُعدُّ تناول الشاي والقهوة بعد الإفطار أمر ضروريٌّ، فقد اعتدنا على ذلك".
وأكَّدت (خديجة) على اتِّباعهم السُّنَّة النبويَّة في نظام الإفطار؛ حيث يكون التمر أو الزيتون أوَّلَ ما يتناولونه على الإفطار، أو أيِّ شيء آخر نصَّتْ عليه السنة النبوية.
رمضان شهر العبادة:
سألْنا (زينب) هل تؤدُّون صلاة التراويح؟ وكان ردُّها قاطعًا: "بالطبع نقوم بصلاة التراويح، والتي تبدأ بعد صلاة العشاء، ونذهب - خاصَّةً الرجال - إلى المساجد، فلقد اعتدْنا على ذلك، فتمتلِئُ المساجد طوال شهر رمضان، أمَّا بالنسبة للنساء، ففي الأيام العادية لا تذهب النساء لقضاء الفروض الخمسة في المسجد؛ إلاَّ أنه في شهر رمضان يمكن أن يذهبْنَ لصلاة جميع الصلوات هناك، وتُخصَّص لهم أماكن مغلقة في أوقات التراويح أيضا".
كما انتقضت (خديجة) هؤلاء الناس الذين يُؤدُّون العبادات فقط في شهر رمضان، ويتركونها في باقي الشهور، وقالت معبِّرةً عن أساها: "أرى أنه من السيئ أن نقوم بالعبادات فقط في شهر رمضان، ونتركَها باقي العام؛ فهذا الشهر للصوم والعبادة وقراءة القرآن، وإنما يجب علينا أن نؤدِّيَ عباداتِنا في الشهور الأخرى أيضًا، فمثلاً في شهر شعبان والليالي المباركة، يجب علينا قيام الليل؛ ولذلك فالأشياء التي نَحذَرُ منها وننتهي عنها في شهر رمضان، يجب علينا أيضًا أنْ ننتهي عنها في الشهور الأخرى".
كما نصحتْ بضرورة الاستفادة من هذا الشهر المبارك، وقالت: "إنه يجب على الإنسان أن يزيد من صلواته وتقرُّبه لله – تعالى"، وتُحدِّث قائلةً: "بخلاف الفروض الخمسة التى نؤدِّيها باستمرار - الحمد لله - يمكن أن نقوم الليل ونصلي التهجد، ونقرأ القرآن الكريم طوال الليل حتى الفجر، وبهذا الشكل نقضي الشهر في العبادة، ويجب علينا الذهاب إلى المساجد، وإقامة الصلاة هناك، وخاصةً التراويح، ونستمع للحوارات والدروس الدينية، ويجب أن نقضيه كلَّه في رضا الله، فنحن نصوم عن كلِّ شيء مثل الألفاظ البذيئة والسبِّ والفواحش، ونبتعد عنها".
وعلى هذا؛ نرى أنَّ الأتراك تحت هذا الحكم العلماني ينمو بداخلهم تيار إسلاميٌّ متزايد، فالشعب نفسُه يحاول التقرُّبَ إلى الله، ويحاول تنفيذ أحكام دينه الحنيف، وبالطبع يأتي شهر رمضان كفرصة لكلِّ مَن يريد أن يفعل ذلك، ولكن تبقى هناك العوائق في طريقهم، فعلى سبيل المثال: حينما يتزامن شهر رمضان مع الفترة الدراسية، لا يتم تعديل مواعيد المحاضرات، فهناك بعضُ الدروس التي تستمر في وقت الإفطار، غير مراعين لحال الصائم، ونسأل الله أن يعفوَ عنا ويسامحنا ويغفر لنا جميعًا.
