*من أقدم أشعاري*
مناسبتها:الشاعر في كل أحواله هارب من الحلم و اليقظة لأنه مجابه لمشاكل
أمة بكاملها و رافض لواقعها المرير فلا مفر له إلا أن يكون شعباً في رجل
أثمله الشِعر المستوى من رحم الأحداث:
وهم أم حقيقة؟
بخمرِ الشِعر أفئدةً نُواسي
و نجلو همّنا كأبي نُواسِ
و نُقلعُ من موانئ ترّهاتٍ
من الظلمات بالسُفنِ الرواسي
نرومُ شواطئ الأمل المُسلّي
و نتركُ خلفنا جُزرَ المآسي
فنطرب للقصيد و قدْ تهادى
على الكلماتِ يُنشدُ ذمَّ ناسِ
يقول :أرى الرعيّةَ لا تُبالي
تريدُ تثاؤباً مقة النعاسِ
إذا نادى المؤذّنُ في صلاةٍ
أطاعوا الأمرَ حيَّ على الفلاسِ
فتُبصرَ في الشوارع غانياتٌ
كُسيْنَ لدى العيونِ بلا لباسِ
مشينَ و هنَّ في طرقِ الدنايا
يخلْنَ تحضُّراً عُريَ الأُناسِ
لَنِعمَ ديوثةٌ غنّى الأهالي
نطالبها بمرسومٍ رئاسي
و بئسَ مكارم الأخلاق في منْ
بها وعظ البرايا غير ناسِ
وفاء"سموألٍ" و سخاء"زيدٍ"
و نخوتهُ"الأمير أبو فراسِ"
هي الشيمُ الممجّدةُ اضمحلّتْ
و نابَ مكانها كذِبُ الخِساسِ
و شاع لأمّة العربيّ جهلٌ
بعولمةِ الصراع على الكراسي
كأنّ بلادَه غابٌ و فيها
تنافُسُ ساكنيها بافتراسِ
فأينَ عروبةٌ بخصال دينٍ
تُمدُّ أشواساً شهُبَ الحماسِ؟
أ تُوأدُ أمْ تعيشُ لذرفِ دمعٍ
تُكفكفُهُ على شرفٍ مُداسِ؟
أ تُدفنُ حيّةً لتزور قبراً
من النكساتِ في زمنِ اختلاسِ؟
أم انّ الدهر يرغمها لتحيا
معذّبةً بآلامِ النِّفاسِ؟
و هل تقوى و تصبرُ عن بنيها
و هُمْ في هدمها جندٌ لِفاسِ؟
تراودها الهموم ب"حضرموتٍ"
و تتبعها الهواجسُ عند"فاسِ"
و يصفعها اللقيطُ بأرضِ قدسٍ
و يدفعها الجبان إلى التّماسِ
فهذا دولةَ الدولار يهوى
و يُوشمُ ذاكَ بالنجمِ السُّداسي
تبدّدتِ الأصالةُ و استحالتْ
إلى حركاتِ غربٍ باقتباسِ
أعاجمُ تأخذُ الذّهب المصفّى
و للعربِ التأمّلُ في النحاسِ
فما بقيتْ تقاليدٌ لعُربٍ
و ريحُ شذوذهمْ هبّتْ بياسِ
أضاعوا الإرثَ و الحُكّامُ منهمْ
ضباعٌ بلْ ظباءٌ في الكِناسِ
نعى المتنبّيَ المشهودَ نظمي
لقذفهِ ثورةً دونَ احتراسِ
أفاقَ من الهوانِ..ذرى رماداً
فشبَّ لهيبُ قلبٍ فيهِ قاسِ
و أقبلَ هائماً بحروبِ عزٍّ
و لا عشِقَ القيانَ و حسوَ كاسِ
هو الملِكُ الذي غصبوهُ ملْكاً
فنالهُ في القصائدِ صرحَ ماسِ
و أوغر في صدور مسانديه
وُشاةٌ إذْ رأوهُ شديدَ باسِ
لأنّ العيش للشجعان خصمٌ
يُذلُّهُمُ و يرفعُ خِدنَ طاسِ
يجرّدُ من ثيابِ المجدِ شهماً
لإمّعةٍ يصيرُ بذاك كاسي..
فدنيا العدل فلسفةٌ بنتها
نُهى المتفائلينَ بلا أساسِ
أ يُجعلُ عالمٌ شرب المعاني
و جاهل جهلِهِ علَنا سواسي؟
أ يوضعُ خائفٌ من ظلّ حبلٍ
مكانَ مغامرٍ صعبِ المِراسِ؟
نعمْ، فنفوسُ هذا العصر مرضى
بدائهمُ العسير يحارُ آسِ
تفشّى في جسومهمُ خبالٌ
و راح يصولُ من قَدمٍ لراسِ
لَتلكَ قمامة الغدِ في حضيضٍ
ستأكلُ أمسها حفرُ التناسي
فلا الذّكرى تكون لها عزاءً
و لنْ تُشفى الجراحُ بما تُقاسي
بكيتُ عليكِ يا أطلالَ ماضٍ
و حاضركِ اللعينُ يدُ التباسِ
فكيفَ أُذيعُ هذيي و القوافي
تُيَتّمُ أوْ تُتَيّمُ قعرَ حاسِ؟
و لستُ قصيدةً للنثرِ لكنْ
أنا الشِعرُ المقزّزُ للسياسي
هنا أنهي ليختمني أديبٌ
و ينطق للورى شرطاً خماسي..:
" أيا أهل التسلّط أنصفوني
و جودوا لي و كُفّوا عن مساسي
و إن أنشدتُ شِعري شمّتوني
و سمّوا ما أقولهُ بالعُطاسِ".