السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إن لكل من كلمة (علم) و(قرآن) دلالة لغوية، ومعنى اصطلاحياً، يجدر الإلمام بهما بإيجاز.
المطلب الأول:
العلم لغة واصطلاحاً
أولاً ـ العلم لغة:
أ يقال علم علماً ـ بفتحة وكسرة ـ أي حصلت له حقيقة العلم.
ب يقال علم الشيء: أي عرفه، وتيقّنه، وأدركه.
ج يقال أعلمه الأمر، وبالأمر: أي أطلعه عليه.
فيكون العلم: الحقيقة، المعرفة، اليقين، الإدراك. ولهذا قيل إن العلم: هو الإدراك الجازم المطابق للواقع، أو إدراك الشيء بحقيقته (1).
والعلم مطلقاً هو: مطلق الإدراك الذي يشمل التصور والتصديق.
وقال الحكماء: العلم هو حصول صورة الشيء في العقل(2).
ثانياً ـ العلم اصطلاحاً:
تطلق كلمة العلم ويصطلح بها على أحد المعاني التالية:
أ الموضوع ذاته: فيقال علم الفلك، وعلم الطب، وعلم النفس، وعلم التفسير، وهكذا. ويراد به موضوعات هذه العلوم، ومسائلها.
ب معرفة الموضوع: فيقال: لفلان علم بموضوع النجوم، أو علم بالأنساب، أو علم بالأنواء الجوية، أي لديه إلمام ومعرفة بمسائل وقواعد هذه العلوم.
ج القدرة على معرفة الموضوع: وهي المعرفة بالقوة، أي القدرة على معرفة مسائل وقواعد الموضوع، وإن لم تكن حاصلة بالفعل.
وأوفق معاني هذه الإطلاقات لموضوعنا قيد البحث هو الإطلاق الأول.
المطلب الثاني:
القرآن لغة واصطلاحاً
أولاً: القرآن لغة:
أ المقروء المكتوب:
يقال قرأ الرسالة قراءة وقرآناً؛ أي نطق بالمكتوب فيها، ومنه قوله - تعالى -:" َإِذَا قَرأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرأَنَهُ " (سورة القيامة/ 18) ويكون الاقرأ: الأفصح قراءة. كما قد يكون بمعنى إلقاء النظر على الرسالة ومطالعتها صمتاً.
ب الجمع:
(ويسمى قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها). وقال ابن الأثير: إن الأصل في لفظة القرآن هو (الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي قرآناً لأنه جمع في القصص، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والآيات والسور، بعضها إلى البعض). وقال الراغب: (والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل. وليس يقال ذلك لكل جمع، لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم).
ج اسم لكتاب الله - تعالى -:
فقد روي عن الشافعي أنه قال: (القرآن اسم وليس بمهموز لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل). وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ: كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن. وقال الراغب: والقرآن في الأصل مصدر، نحو كفران ورجحان.
ولعل ما ذهب إليه ابن الأثير وغيره من اللغويين، من أن الأصل في القرآن: الجمع، هو أقرب المعاني انسجاماً ومناسبة مع واقع القرآن الكريم، فيما ضم من الأحكام العامة وجمع من القواعد الكلية، والأسس الرئيسية للشريعة الإسلامية الغراء (3).
وإنما جعل الله - تعالى - القرآن قانوناً أساسياً وكلياً، باعتباره دستور الدين الكامل، والنعمة التامة " اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً "(سورة المائدة/ 3). فلا يوحي الله - تعالى - بعد القرآن كتاباً، فكان من مقتضى لطفه - سبحانه -، أن يكون كلياً إجمالياً ليسير مع تطورات الحياة، يحكم أحداثها ووقائعها، ويشمل مناحيها، ويستجيب لحاجاتها ومتطلباتها في كل الميادين، رغم اختلاف الظروف والبيئة، محافظاً على مقاصد الشرع الحنيف: ?وَنَزَّلنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمُسْلِمِينَ ? (سورة النحل/ 89).
وإن أقرب المعاني لموضوعنا قيد البحث، هو كون القرآن اسماً لكتاب الله - تعالى -، من حيث هو، لا من سائر الحيثيات.
ثانياً ـ القرآن اصطلاحاً:
القرآن الكريم، أسمى وأشهر من أن يعرَّف. ولكن جرت سنة المعنيين به أن يعرِّفوه تعريفاً جامعاً مانعاً، ومع ذلك جاءت تعاريفهم شتى صياغة متقاربة معنى. وقالوا:
أ (القرآن هو الكلام القائم بذات الله - تعالى -، وما نقل إلينا بين دفتي المصحف، نقلاً متواتراً) (4).
ب (إن القرآن: الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقاً وغرباً فما بين ذلك، من أول أُم القرآن إلى آخر المعوذتين، كلام الله - عز وجل -، و وحيه، أنزله على قلب نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -، من كفر بحرف منه فهو كافر) (5).
ج (القرآن هو الكتاب المنزل على رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، المكتوب في المصاحف، والمنقول إلينا نقلاً متواتراً بلا شبهة) (6).
د (القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - والمدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس) (7).
ه (اللفظ العربي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، المنقول إلينا بالتواتر) (8). ويمكن القول أن القرآن الكريم هو:
وحي الله المنزل على النبي محمد الله - صلى الله عليه وسلم - لفظاً ومعنى وأسلوباً، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر.
----------------------------------------
1- الراغب، المفردات ص343.
2 - الجرجاني، التعريفات، ص135.
3 - قال بعض الحكماء تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار - تعالى - إليه بقوله (... وتفصيل كل شيء) وقوله: (تبياناً لكل شيء). الراغب: المفردات، ص402.
4 - الغزالي: المستصفى، ج1/65.
5 - معجم فقه ابن حزم: مجلد 2/833.
6 - أصول البزدوي، مجلد 2/21-23.
7 - عبد القادر عودة: التشريع الجنائي ج1/165.
8 - محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، ص399.